كلمة معالي نائب رئيس مجلس الشورى بمناسبة اليوم الوطني

الرياض 25 ذو القعدة 1435 هـ الموافق 20 سبتمبر 2014 م

إعلان توحيد المملكة العربية السعودية هو ثمرة الملحمة البطولية التاريخية التي خاضها الملك المؤسس لهذا الكيان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – على امتداد اثنين وثلاثين عاماً من الكفاح والجهاد مع رجاله المخلصين, ليجمع شتات البلاد بعد فرقة, ويقضي على الصراع والنزاع بين الجماعات والقبائل, ويوحد أبناءها تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله, ويرسخ قواعد الدولة الحديثة على مبادىء الشريعة الإسلامية السمحاء, والعقيدة الصافية, وينشر العلم, ويرسي الأمن والأمان, بعد أن ساد الجهل والخوف وقطاع الطرق أرجاء الجزيرة العربية ردحاً من الزمن.

إن ذكرى اليوم الوطني الرابع والثمانين لإعلان توحيد المملكة الذي يحل هذا العام يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة 1435هـ, الموافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر 2014م مناسبة للوقوف عند الشخصية الفذة العبقرية للملك عبد العزيز- رحمه الله - واستلهام العبر والدروس من سيرة هذا القائد الذي صنع مجد هذه البلاد، واستطاع بحنكته ونافذ بصيرته، وقبل ذلك كله بإيمانه الراسخ بالله جل وعلا أن يؤسس دولة عصرية دستورها القرآن, ويضع قواعد هذا البناء الشامخ، ويشيد ثوابته، ويجعل من المملكة العربية السعودية مثالاً يُحتذى به في وحدتها السياسية، والأخذ بأسباب الحضارة المعاصرة، معتمداً - رحمه الله - في المقام الأول على بناء الإنسان كمرتكز تقوم عليه الحركة التنموية.

إن شعب المملكة العربية السعودية وهو يحتفي بهذه الذكرى ليحمد الله حمد الشاكرين أن قيض لهذه البلاد قيادة رشيدة سارت على نهج المؤسس الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه - في تحكيم شرع الله تعالى, وترسيخ الوحدة الوطنية والنهوض بالدولة في شتى المجالات.

لقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات متسارعة نحو التنمية الشاملة على يد أبناء الملك عبدالعزيز البررة من بعده الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز– حفظه الله ورعاه – الذي سجل في تاريخ الدولة السعودية فصلاً جديداً, تبدو ملامحه واضحة في هياكل الدولة وأنظمتها وأطرها الإدارية, والمنجزات الحضارية في مختلف المجالات التنموية بجميع مناطق المملكة، كما أدرك – أيده الله - ببصيرته المستنيرة أهمية مواكبة حركة تطور المجتمع السعودي واحتياجات أجياله الشابة حاضراً ومستقبلاً.

وبالنظر إلى أن المجتمع السعودي مجتمع فتي إذ توجد نسبة كبيرة – كما هو معلوم – من سكان المملكة تحت سن الـ 25 عاماً, بمعنى أن فئة الشباب هم الأعلى في المجتمع السعودي فهم يمثلون مورداً تنمويّاً واعداً إذا توفرَت لهم فرص تعليم ومهارات جيدة، وفرص عمل ملائمة, وهو ما أدركه خادم الحرمين الشريفين بحكمته وحنكته وبنظرته الثاقبة حيث ركز في سياسته الداخلية على بناء الإنسان السعودي كونه اللبنة الأولى والرئيسة في التنمية, والتوسع في البرامج التنموية التي تمس حياة الشباب ضمن مفهـوم التنمية المستدامة, فجاءت مبادراتـه وقراراتـه – يحفظه الله - لتؤسس دولة عصرية حديثة, ونهضة شاملة تقوم على تعليم يواكب التطورات الحديثة في مجال التربية والتعليم, وافتتاح الجامعات في مختلف مدن المملكة ومحافظاتها للتيسير على الطلاب والطالبات إكمال دراساتهم العليا, ليصل عدد الجامعات بالمملكة إلى أكثر من ثلاثين جامعة حكومية وأهلية, هذا فضلاً عن افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وهي منارة علم تفتح أبوابها للموهوبين والمتميزين من مختلف دول العالم, إلى جانب برنامج الابتعاث الخارجي للطلاب والطالبات لنيل الدرجات العلمية من أرقى الجامعات العالمية في جميع المجالات والتخصصات العلمية والصحية والطبية والهندسية التي تحتاجها العملية التنموية ويتطلبها سوق العمل, حيث وصل عدد المبتعثين المستفيدين من البرنامج منذ انطلاقته في العام 1426هـ إلى أكثر من 150.000 مائة وخمسين ألف طالب وطالبة موزعين في أكثر من 30 دولة, تخرج منهم حتى الآن نحو 55000 خمسة وخمسون ألف طالب وطالبة.

ليس هذا فحسب بل أولى خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - الموهوبين من أبنائنا الطلاب والطالبات جل عنايته ورعايته فأنشأ مركز الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع لرعاية الموهوبين ودعم قدراتهم ومهاراتهم في الابتكار والاختراع, لإيجاد رواد من الشباب المبدع والموهوب في مجالات العلوم والتقنية بدأت نتائجه تثمر على الساحة فبين الحين والآخر نسمع عن ابتكارات واختراعات لأبنائنا وبناتنا في الداخل والخارج في مجالات الطب والهندسة والكيمياء والإحياء, نالوا على إثرها جوائز عالمية في مسابقة إنتل الدولية للعلوم والهندسة للعام 2014 م، والذي عقد في ولاية لوس آنجلس في الولايات المتحدة الأمريكية وسط منافسة أكثر من 1700 طالب وطالبة يمثلون أكثر من 100 دولة حول العالم. وشارك الطلاب السعوديون في هذا المحفل العلمي الدولي ب18 مشروعاً علمياً مختلفاً, كما حققوا جوائز عالمية في المسابقة ذاتها للعام 2013 التي أقيمت في فينيكس أريزونا الأمريكية.

كما أولى - رعاه الله- الإسكان وإيجاد فرص العمل للشباب جل عنايته واهتمامه حيث أمر ببناء 500 خمسمائة ألف وحدة سكنية بتكلفة قدرها 250 مائتان وخمسون مليار ريال، وقدم الدعم لصندوق التنمية العقارية، وكذلك للبنك السعودي للتسليف والادخار بعشرات المليارات لتوسيع مجال خدماته التي يستفيد من غالبيتها فئة الشباب بالحصول على القروض التي يقدمها البنك للمساعدة على الزواج، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتوجيه جميع ذوي العلاقة لاستحداث ودعم فرص العمل المناسبة للشباب (ذكوراً وإناث) في مختلف المجالات.

وترسيخاً للعمل المؤسسي بعيد المدى فقد سعت القيادة الحكيمة إلى وضع استراتيجية وطنية للشباب يجري إعدادها وإقرارها حسب الإجراءات النظامية اللازمة, وقد جاء مشروع هذه الاستراتيجية ليضاف إلى إنجازات هذا العهد الزاهر في خدمة شباب الوطن فهم الأكثر تأثيراً في برامج مسيرة التنمية المستدامة, وتلبية حاجة سوق العمل, وأكثر فئات المجتمع توجهاً نحو التجديد واستيعاب المتغيرات والتفاعل والاستجابة لمخرجات عملية التطور والتقدم العلمي.

وتهدف الإستراتيجية الوطنيةِ للشبابِ إلى إحداثِ نقلةً نوعية وكمية في السياسات والخطط والبرامج الموجهةِ للشبابِ، وبما يوفرُ لهم القدرةَ على مواكبةِ حركةِ التغييرِ والتنميةِ المتسارعةِ والتفاعلِ الايجابيِّ معَ متطلباتِ العصر واقتصادِ المعرفةِ.

وامتداداً لحرص واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بدعم الشباب فقد أمر - يرعاه الله - بإنشاء أحد عشر أستاداً رياضياً على أعلى المواصفات والمعايير العالمية على غرار ما تم إنجازه ولله الحمد في مدينة الملك عبدالله الرياضية في مدينة جدة ، ويتسع كل منها لخمسة وأربعين ألف متفرج وذلك في جميع مناطق المملكة, لتكون معلماً حضارياً وملتقى لنشاطات الشباب ورعايتهم بما يحقق لهم التنمية الجسدية والفكرية الصحيحة.

وشبابنا بما يحظون به من رعاية كريمة واهتمام من قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين باتوا محسودين من قبل أعداء هذه البلاد على ما ينعمون به من خير في مجتمع يحقق لهم الأمن والأمان والنمو الفكري الصحيح والرعاية الشاملة التي يندر لها مثيلاً حتى في أكثر الدول تقدماً, وأصبحوا مستهدفين من أرباب الفكر الضال الذين يستهدفون أبناءنا في عقيدتهم وأفكارهم, ويعملون على استقطابهم وتجييشهم ضد قادتهم وعلمائهم ومجتمعهم. إلا أن خادم الحرمين الشريفين بأبوته الحانية وحرصه على أبنائه من شباب هذا الوطن, أدرك ببصيرته النافذة خطر ما يتعرض له الشباب وتوعد كل من ينال من وطننا وشبابه أو يغويهم بالويل والملاحقة مهما طال الزمن, كما أصدر أوامره الكريمة لمحاربة التطرف والغلو ومكافحة الإرهاب, وتصحيح أفكار من تأثر بتلك الأفكار المتطرفة وعودتهم إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة ومنهج الوسطية, ومنح كل من غُرر بهم من شباب هذا الوطن للذهاب إلى أماكن الفتن والقتال في الخارج بدعوى الجهاد فسحة من الوقت للعودة إلى وطنهم ونبذ الأفكار المتطرفة, والتمسك بالمنهج الإسلامي الوسطي الصحيح الذي تقوم عليه هذه الدولة.

ووجه – رعاه الله – العلماء والدعاة إلى التصدي للأفكار الضالة, والغلو والتطرف بمناصحة الشباب وتصحيح عقيدتهم من الأفكار الضالة التي يروج لها خوارج هذا العصر, وأعداء هذا الوطن الذين يستهدفون مجتمعنا في عقيدته وأمنه ووحدته.

ولم تتوقف جهود خادم الحرمين الشريفين في محاربة الإرهاب على الصعيد المحلي بل امتدت إلى محاربته على الصعيد الدولي كون الإرهاب ليس مرتبطاً بدولة أو دين وعانت منه الكثير من شعوب العالم, فكانت مبادرته - يحفظه الله – بالدعوة إلى تأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب, وقدم له تبرعاً مالياً قدره مائة مليون دولار دعماً من المملكة للمركز.

إن التطوير والتحديث الذي شهدته المملكة تحقق بفضل من الله ثم بحنكة وحكمة قائد تجاوز كل حواجز الجمود المصطنعة دون تعارض أو تناقض مع ثوابت العقيدة الإسلامية, وتقاليد مجتمعنا الأصيلة, وبشكل مدروس ومتدرج ,يقدم للعالم أنموذجاً متفرداً لدولة إسلامية, قادرة على مسايرة تطورات العصر ومستجداته.

أسأل الله تعالى أن يحفظ قائد مسيرتنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع, وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء, وأن يمدهم بالعون والتوفيق, ويديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها .