كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى بتاريخ 2/5/1425هـ الموافق 20/6/2004م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد الأمين.

أيها الاخوة أعضاء مجلس الشورى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإنه ليسعدنا اليوم أن نفتتح على بركة الله أعمال السنة الرابعة من الدورة الثالثة للمجلس الموقر, ونسأل الله تعالى أن يبارك جهودنا جميعاً وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم, وأن يوفقنا لخدمة دينه الحنيف, ثم خدمة وطننا الغالي وأبنائه الأعزاء.

وإذا كان الهدف الرئيس من هذا اللقاء السنوي المتجدد هو أن نستعرض السياسة الداخلية والخارجية لبلادنا وإلقاء الضوء على ما استجد من تطورات فإن من المناسب في الوقت نفسه أن نستذكر هنا الحكمة العظيمة التي هدفت إليها عقيدتنا السمحة من وراء تشريع منهج الشورى في الحكم.

إن الأساس الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية هو الإسلام, وقد أكد ذلك النظام الأساسي للحكم الذي نص على أن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية, دينها الإسلام, ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم,

وأن الحكم يستمد سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله, ويقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.

والإسلام دين رحمة وسلام, يهدي إلى الخير, ويدل عليه, وينهى عن الشر, وينفٌر منه, ويدعو إلى التعارف بين الأمم, والتعايش السلمي, ويحذر من البغي والعدوان, ويحرم الإفساد في الأرض.

ومن المؤسف أن المملكة العربية السعودية قد تعرضت لأحداث إرهابية أدت إلى ترويع الناس والبغي عليهم, وإزهاق الأنفس, وقد هدف مرتكبوها إلى زعزعة الاستقرار, وتقويض الأمن, وهو هدف بعيد عليهم – إن شاء الله -, وسيحول بينهم وبين الوصول إلى غايتهم, وتحقيق هدفهم – بعد حول الله وقوته – التماسك العميق بين القيادة والشعب, ويقظة أجهزة الأمن, واستبسال الجميع في الحفاظ على أمن هذا الوطن واستقراره, ولن نسمح لفئة مفسدة يقودها فكر منحرف أن تمس أمن هذا الوطن, أو تزعزع استقراره, فقد نكثوا والله عز وجل يقول:" فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" ومكروا مكراً سيئاً ، والله عز وجل يقول: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ".

إن الإرهاب إفساد في الأرض, ومحاربة لله ورسوله وللمسلمين, ولئن تبنَى أشخاص وفئات تنتسب إلى الإسلام بعض الحوادث الإرهابية التي حصلت في العالم, فإن دين الإسلام بريء من هذه التصرفات. والمسلم الحق أبعد ما يكون عن هذه التصرفات, أو التعاطف مع منفذيها.

والمملكة العربية السعودية لم تألُ جهداً, ولن تألو, في التصدي للإرهاب بكافة صوره وأشكاله, فهي تحاربه محلياً وتدينه عالمياً, وكانت المملكة سباقة إلى حث المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب.

ووقفت مع جميع الدول المحبة للسلام في محاربته. ولتحقيق هذا الهدف صادقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب, ووافقت على الاستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية, وهي تلتزم بالدعم التام لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بمحاربة الإرهاب.

أيها الاخوة:

إن المملكة العربية السعودية تمضي على طريق التنمية والتحديث والتطوير بما يتفق مع مصلحة شعبها, واحتياجاتها, ويتناسب مع خصوصياتها, وهويتها العربية, وشريعتها الإسلامية.

ورغبة منا في تفعيل دور المواطن, ودفعه إلى أن يساهم في مجال التنمية والتطوير, ويشارك في عملية التحديث جاء إنشاء ( مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ) لتأصيل مبدأ الحوار الذي يستند على التنوع في الرؤى تجاه مجمل القضايا والتي من ضمنها تطوير مستوى التعليم, ومعالجة ظاهرة العنف والتطرف ودور المرأة في التنمية.

كما تأسست ( الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ) بهدف العمل على حماية حقوق الإنسان وفقاً للنظام الأساسي للحكم, وما ورد في الإعلانات والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان الصادرة عن الجامعة العربية, ومنظمة المؤتمر الإسلامي, والأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة, بما لا يخالف الشريعة الإسلامية, والتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال.

وهناك هيئة حكومية لحقوق الإنسان سيتم الإعلان عنها قريباً بإذن الله.

وكذلك صدر قرار مجلس الوزراء بتوسيع مشاركة المواطنين في الشؤون المحلية عن طريق الانتخاب وذلك بتفعيل المجالس البلدية وفقاً لنظام البلديات والقرى.

وفي إطار التطوير المتواصل للنظم, ورغبة منا في تعزيز دور مجلس الشورى التنظيمي, وتسريع آلية عمله, تم تعديل المادتين 17 ,23 من نظام مجلس الشورى, مما أعطى المجلس حق المبادرة في اقتراح مشاريع الأنظمة ومشاريع تعديلها.

أيها الإخوة الأفاضل

كما أن أمن الحرمين الشريفين وخدمة مرتاديهما حجاجاً ومعتمرين وزواراً يتصدر أولوياتنا, وحتى يتسنى لهم تأدية مناسكهم بيسر وسهولة تم تكوين (هيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة ) استمراراً لمنظومة المشروعات التنموية العملاقة بهذه الأماكن المقدسة.

وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي تقف الإنجازات شواهد على الانطلاقة التي شملت هذه المجالات.

ففي مجال دراسة الهيكل الإداري لمؤسسات الدولة ما زالت الدراسات والقرارات تتواصل نحو هيكلة هذه الأجهزة والتي شملت وزارة الشؤون البلدية والقروية, كما صدر قرار مجلس الوزراء بفصل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى وزارتين, ونقل اختصاصات مجلس القوى العاملة إلى وزارة العمل, وتم تحويل رئاسة الطيران المدني إلى هيئة عامة ذات استقلال مالي وإداري بما يمكنها من تطوير أنظمة وأساليب متقدمة في إدارة الموارد البشرية, كما تم تحويل مصلحة معاشات التقاعد إلى مؤسسة عامة, ولا زالت اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري تواصل عملها في هذا المجال.

وفي المجال الاقتصادي تواصل المملكة إزالة العوائق, وتسهيل المبادرات الاقتصادية, وتشجيع الاستثمار الأجنبي, وتبني استراتيجية التنوع الاقتصادي, وتطوير بنية اقتصادية أكثر قدرة على المنافسة. وفي هذا السياق وافق مجلس الوزراء على الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية. ومن الإيجابيات المترتبة على هذه الاستراتيجية إسهام قطاع السياحة في توفير الكثير من الوظائف للمواطنين في هذا المجال.

ولتحقيق أعلى مردود اقتصادي واجتماعي للمملكة من استغلال مواردها من الغاز الطبيعي وضعت المملكة " استراتيجية الغاز " فالمملكة تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث احتياطات الغاز, ووقعت المملكة مع شركات نفط عالمية عقود غاز من بنودها أن يتم توظيف عمالة وطنية في المشاريع بنسبة 75%. كما بلغ حجم الاستثمارات في المجال الصناعي أكثر من (254,5) مليار ريال وارتفع عدد المصانع إلى أكثر من ( 3633 ) مصنعاً, تضم أكثر من (342 ) ألف عامل في مختلف النشاطات الإنتاجية.

وفي إطار استراتيجية التخصيص المقرة من المجلس الاقتصادي الأعلى, وما يقتضيه التخصيص من توفير استثمارات إضافية وجديدة عن طريق القطاع الخاص , وافق مجلس الوزراء على قرار المجلس الاقتصادي الأعلى بشأن قائمة المرافق وأنواع النشاط المستهدفة بالتخصيص, ويجري التخصيص لهذه المرافق تباعاً وبالتدريج.

وإن ميزانية العام الحالي توضح تركيز الدولة على توفير البنية اللازمة لتنفيذ استراتيجية شاملة لتنمية الموارد البشرية, حيث رصد في الميزانية اعتمادات ضخمة للتعليم العام والتقني المتخصص, شملت اعتمادات لافتتاح ثلاث جامعات وعشرات الكليات التقنية والمراكز المهنية, ويتماشى ذلك مع هدف الدولة الرامي لإيجاد حل لمشكلات تأهيل الشباب السعودي وتوظيفهم, وإيجاد قوة عمل وطنية مؤهلة ومدربة قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل. كما حظيت قطاعات الخدمات الأخرى باعتمادات لمشروعات تنموية مهمة, مع التركيز على مشاريع المناطق مما يعزز مفهوم التنمية المتوازنة في كل مناطق المملكة.

وإن الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية لخطة التنمية الثامنة للمدة من عام 1425هـ إلى عام 1430 هـ تركز على مجالات التقنية, ومشاريع التنمية, وتعمل على توفير وظائف للخريجين والخريجات, ورفع مستوى دخل المواطن, والاهتمام بمخرجات التعليم والتدريب, واستثمار معدلات النمو الاقتصادي في تحسين المستوى المعيشي بشكل عام, وزيادة الإنتاج, ورفع الكفاءات البشرية والجودة, كما ستسهم السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في توفير وظائف كثيرة للجنسين في القطاعين العام والخاص.

أيها الأخوة:

لقد ظلت التنمية البشرية المحور الرئيسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة, فحرصت الدولة على زيادة الإنفاق المخصص للخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية ، وظل تقديم خدمات صحية وتعليمية ذات جودة عالية في مقدمة أولويات خطط التنمية المتعاقبة.فارتفعت أعداد الملتحقين بالتعليم العام والجامعي بالتزامن مع انخفاض أمية الكبار, وتزايد دور القطاع الخاص وإسهامه في توفير الخدمات التعليمية بدرجة كبيرة خلال السنوات الماضية.

ولا يفوتنا – والحديث عن التنمية البشرية – أن نشير إلى دور المرأة الحيوي في التنمية, فالمرأة في المملكة العربية السعودية تؤدي واجباتها, وتزاول حقوقها وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة. ولقد أوجدت الدولة مجالات عمل كثيرة لها, وتتواصل الجهود لتوسيع هذه المجالات حيث أصدر مجلس الوزراء قراراً بإنشاء لجنة وطنية عليا دائمة متخصصة في شؤون المرأة, كما تشارك المرأة في منتديات مركز الحوار الوطني, وفي الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. وتعمل الدولة على تعزيز قدراتها نحو المشاركة الفاعلة في التنمية وتمكينها من توظيف قدراتها وعطاءاتها في المجالات المنتجة لخدمة المجتمع.

كما أن الجهود مبذولة ومتضافرة بصورة عامة لتوطين الوظائف والحد من البطالة الناتجة عن خلل في سوق العمل ووجود أعداد كبيرة من العمالة غير السعودية, ويتواكب مع ذلك كله مراجعة مستمرة لمنظومة التعليم والتدريب فالتعليم استثمار في الأمة بجميع أفرادها.

وإن هذه المنجزات التي ذكرنا طرفاً منها ساعد على تحقيقها, ودعم وجودها التآلف والتآخي والترابط ضمن وشائج العقيدة والقربى, وجسدها استثمار الفرص التنموية التي أتاحتها خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية , ويعزز ذلك كله الارتباط بهذا الوطن حباً وولاءً وإخلاصاً و محافظةً على الثوابت والإنجازات التي قامت عليها المملكة.

أيها الإخوة:

إن القضية الفلسطينية تشغل بال المملكة, وقد أولتها اهتماماً كبيراً, وهذا الاهتمام يمثل توجهاً أصيلاً في السياسة السعودية وفق ثوابت وضعها الملك المؤسس عبد العزيز – رحمه الله – وسرنا جميعاً من بعده على دربه, وإن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين, واحتلال الأراضي الفلسطينية, وبناء المستوطنات و الجدار العازل من أجل فرض واقع جديد على الأرض من جانب واحد, وتنفيذ سياسة الاغتيالات وهدم المنازل, تعد كلها ممارسات تعيق التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم.

وفيما يتعلق بالعراق فهناك حاجة ماسة إلى التعاون الدولي من أجل أن يعود العراق إلى الساحة العربية والدولية دولة ذات سيادة كاملة تنعم بالأمن والاستقرار.

أيها الإخوة:

وفي الختام فإننا جميعاً مؤتمنون في أعمالنا, ومأمورون بأداء الأمانة على الوجه الذي يرضي الله عنا, ومسئولون أمامه عز وجل عملاً بقوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ).

وقوله عز وجل: ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ).

والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعاً إلى العمل الذي يرضيه عنا إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.,,

كلمة معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثالثة بتاريخ 2/5/1425هـ الموافق 20/6/2004م

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

خـادم الحرمين الشـريفين ... أصحاب السمو الملكي الأمراء..

أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة .. أيها الحفل الكريم :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

ففي مثل هذه الأيام من كل عام يسعد مجلس الشورى بهذا اللقاء الكريم والرعاية السامية , يتوج بهما عاماً انقضى , وآخر يتجدد في مسيرة وطنية تقوم على دعائم هذا الدين العظيم ومبادئه الراسخة , مستلهماً المعاني الجليلة لمبدأ الشورى وما يجسده من تلاحم وتآزر بين القيادة والمواطنين .

لقد استقبل مجلس الشورى , بارتياح بالغ . إعلان منهج الإصلاح الذاتي الشامل , الذي ورد في خطابكم الكريم في العام الماضي , وثمنَ أعضاء المجلس كل الأوامر السامية اللاحقة المنفذة لمضامينه , التي استجابت للعديد من آمال المواطنين وتطلعاتهم .

وقدر المجلس , بوجه خاص , التعديلات الأساسية التي أمرتم , حفظكم الله,

بإدخالها على المادتين ( 17 و 23 ) من نظام مجلس الشورى , لتوسيع صلاحيات المجلس واختصاصاته , وتمكينه من المبادرة إلى وضع الأنظمة وتعديلها وتحديثها .

ولمزيد من التنسيق مع مجلس الوزراء الموقر فقد صدر أمركم الكريم بتعيين وزير دولة لشؤون مجلس الشورى , وهي خطوة كبرى من أجل التنسيق بين المجلسين , وحلقة هامة في التنظيم الدستوري للمملكة .

ووافق المقام الكريم على تعيين وكيل لرئيس مجلس الشورى في كل دورة ، تكون له الاختصاصات المقررة لرئيس المجلس في إدارة الجلسات عند غياب الرئيس ونائبه. وهو إجراء يأتي في سياق حرص القيادة الرشيدة على انتظام مسيرة العمل بالمجلس وانسيابيتها .

خادم الحرمين الشريفين :

إننا جميعاً ندرك بأن مسيرة الإصلاح والتحديث في بلادنا لم تنقطع أو تتوقف منذ توحيدها , فلقد شهدت في كل العهود أنماطاً متصلة من التطوير , وصوراً متتابعة مشهودة لإعادة تنظيم الدولة ومؤسساتها التنظيمية والتنفيذية , ونشير , بوجه خاص , إلى ما حظي به مجلس الشورى من تطوير , منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز – رحمه الله - , وإلى مسلك الحوار الذي سلكه رحمه الله , مع كل أصحاب الرأي ، وسار عليه أبناؤه من بعده إلى يومنا هذا .

إن من نافلة القول : إن الإصلاح , هو ما ينبثق من الداخل , برغبة وطنية أصلية , وتأييد شعبي واعٍ , يلبي الاحتياجات الأساسية للمجتمع , ولايصدر عن تعجل أو قفز على المراحل الطبيعية المتدرجة في التطبيق أو قفز في الظلام , فيسبب الإرباك والاضطراب .

لقد تعاملت هذه البلاد مع قضية الإصلاح , قديماً وحاضراً , بصدق وإخلاص , بعيداً عن التجارب والشعارات , وأرادت لها دائماً أن تلتزم بالثوابت والقيم , فالإسلام هو دين التجديد والتطوير والانفتاح وضمان حقوق الإنسان , وإن ما نسعى إليه من إصلاح هو ترسيخ الحرية المنضبطة والعدل والمساواة والشورى التي نص عليها ديننا الحنيف , وإن مبعث فخر المجلس وسروره أن يشارك الدولة في تنفيذ برنامجها التطويري الشامل , وأن يظل أداة معينة مؤازرة لها في التحديث والإصلاح .

وفي هذا الإطار جاء الأمر السامي الكريم بإقامة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تجسيداً حقيقياً لنهج الدولة في طريق الحوار , وليكون المركز منبعاً لأفكار التطوير والإصلاح وبلورتها من أهل الوطن ورجالاته , بما يقطع الطريق على أي نماذج مستوردة غير ملائمة .

كما جاء توجه الدولة نحو إعادة تفعيل وظائف المجالس البلدية , بعد إزالة الشوائب التي اعترت تجاربها السابقة , لتكون بإذن الله , منطلقاً لخطوات أخرى لاحقة توسع دائرة المشاركة الشعبية في تنمية المناطق والمحافظات .

ولا يفوتنا في هذا المقام , أن نقدر تشجيعكم لقيام أول جمعية وطنية أهلية لحقوق الإنسان , تعمل , وفق الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للحكم , لضمان الحقوق الأساسية للمواطنين والمقيمين , ونتطلع في مجلس الشورى للتعاون معها في سبيل تعزيز مقاصدها النبيلة , ودعم أهدافها الخيرة , راجين لها التوفيق والسداد بإذن الله .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد تألم الجميع من هذه العمليات الإجرامية التي وقعت في بلادنا الكريمة , وشجبوا وشجب معهم المجلس هذه الأعمال الشنيعة التي أقدم عليها من لم يرع أحكام دين ولا خلق , وقاده هواه والشيطان إلى الغواية والضلال , فاستباح الدماء المعصومة , واعتدى على الممتلكات والمكتسبات , وآمن بفكر منحرف وتوجه ضال , يكفر أهل الإسلام , ويعين الأعداء على أمته ووطنه , ويريد نشر الفوضى والبغضاء.

وقد وفق الله – سبحانه وتعالى – القيادة الكريمة في معالجة هذه الموجة الإرهابية واحتوائها , وكان لتظافر الجهود الأمنية ممثلة في رجالها البواسل في شجاعتهم وإقدامهم وكفاءتهم ودقة متابعتهم وملاحقتهم وحسن تخطيطهم وتدبيرهم , ولتعاون المجتمع وتكاتفه مع الدولة , الأثر الإيجابي – بعد توفيق الله – في احتواء تلك الأزمة العابرة . وإننا لواثقون بإذن الله من قدرة الدولة على إزالة آثارها وتلافي أسبابها , بالاعتماد على الله , ثم على قوة الجبهة الداخلية وتماسكها , وعلى متانة الوحدة الوطنية , التي ظهرت جلياً خلال تلك الإحداث فلله الحمد والمنة .

وإن مجلس الشورى , يا خادم الحرمين الشريفين , يساند , بحزم وقوة , كل الخطوات الراشدة , التي تسعون من خلالها - داخلياً وخارجياً – إلى مكافحة الإرهاب , واجتثاث جذوره , مع استمرار دراسة بواعثه وأسبابه وسبل علاجه, وتنزيه الإسلام من فكره , وتبرئة هذه البلاد وشعبها من مسؤوليته , وإن إسهام المملكة منذ عقود في جهود محاربة الإرهاب , لا يعني الاستسلام للإملاءات الخارجية , أو تعطيل العمل الخيري والدعوي , أو القبول بالأفكار والأنماط المفروضة من الخارج .

كما يثني المجلس , على حصافة القيادة الكريمة في التعامل , في سياستها الخارجية مع خطورة الوضع الأمني والسياسي الناتج عن احتلال العراق , ويؤيد ما تقوم به المملكة بالطرق الدبلوماسية لتكريس وحدة العراق , ووقف التدخل في شؤونه وإقامة حكومة عراقية وطنية شرعية .

ويعبر المجلس عن اعتزازه بوقفة المجتمع السعودي وتضامنه مع الأشقاء الفلسطينيين , لرفع الظلم والاحتلال والمعاناة عنهم , والدفاع عن حقهم المشروع في وطنهم فلسطين وعاصمتهم القدس الشريف .

خادم الحرمين الشريفين :

لقد سعى المجلس طيلة الفترة الماضية , إلى توطيد علاقاته البرلمانية الدولية , وبذل جهوداً في ذلك كُللت ولله الحمد بالتوفيق , وتم قبوله عضواً في الاتحاد البرلماني الدولي , وكان له حضوره الفاعل في اجتماعات الاتحاد , كما تم قبول المجلس عضواً في الاتحادات والمنتديات والجمعيات الآتية :

اتحاد البرلمانات الآسيوية من أجل السلام .

اتحاد البرلمانيين الدوليين لتقنية المعلومات .

اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي .

منتدى برلمانيي أفريقيا والدول العربية للسكان والتنمية .

جمعية الأمناء العامين للبرلمانات العربية .

جمعية الأمناء العامين لمجالس الشورى والأمة والوطني بدول مجلس التعاون الخليجي .

وأسس المجلس لجان صداقة مع المجالس البرلمانية الأعضاء في الاتحاد البرلماني الدولي البالغ عددها ( 146 ) مجلساً , واستقبل في ظل هذه العلاقات , زواراً من مختلف القارات , واستضاف في موسم الحج الماضي وفوداً نيابية من عدد من المجالس البرلمانية في العالم الإسلامي وفي الدول التي يوجد بها أقليات مسلمة ، كما أسهم المجلس بجهد نحسبه حسناً في توضيح مواقف المملكة وسياساتها , وإزالة ما يثار حولها من تشويشات مغرضة .

خادم الحرمين الشريفين:

لقد انطلقت من المجلس وفود شورية عديدة متنوعة التخصصات لإلقاء الضوء على برامج التحديث والإصلاح القائمة والمنتظرة ، وانتهج المجلس في الوقت نفسه – بتوجيه كريم – سياسة الانفتاح الإعلامي ، وتم بث الجلسات في التلفاز وتفاعل المجلس مع وسائل الإعلام , فسمع المواطنون من يقول : لا ومن يقول : نعم ، كما أدرك المستمعون والمشاهدون أن أعضاء المجلس يصدرون في آرائهم الموافقة والمخالفة عن أسلوب حضاري وإحساس عميق بالمسؤولية المشتركة ورغبة من الجميع في تلافي النقص ونشدان التنمية والأخذ بالمجتمع إلى أعلى درجات التلاحم .

نعم لقد سمع المواطنون وشاهدوا إخوانهم أعضاء المجلس وهم يتحاورون ويتصارحون ويقيَمون ويقدرون ويعرضون آراءهم وأفكارهم من غير ما تحزب إلا للدين والحق والوطن والمصلحة العليا .

لقد شاهد المواطنون وسمعوا إخوانهم أعضاء المجلس وهم ويرفعون لولاة الأمر ما توصل إليه نقاشهم وحوارهم ودراستهم , وولاة الأمر يحتفون بالنقد البناء الموجه لأداء الحكومة ويتجاوبون مع الحق ويحبون الناصحين , ومع كل هذا الخير ومع نجاح التجربة الكبير فذلك كله لا يعني أن ما يرى ويشاهد ويسمع هو نهاية المطاف . بل نعدكم أن عندنا مراجعات وتقويماً لأعمالنا وأدائنا , وأننا بتوفيق الله ثم بدعمكم وتأييدكم وتشجيع المواطنين نتطلع للأفضل والأحسن والأصلح . ونحسب أن المجلس أزال كثيراً من الغبش وبعض التساؤل عما يدور تحت قبة المجلس وبأي أسلوب كان يطرح الرأي وبأي صيغة ووسيلة يصوغ القرار . هذه الأسئلة وأمثالها ما كان ليدركها إخواننا المواطنون لولا إدراك ولاة الأمر بأن من حق الرأي العام في الداخل والخارج أن يطلع على ما يناقش وما يدور وما يحصل وما يقرر بأسلوب متزن ونهج متعقل ووسيلة راقية وأداة متقدمة .

خادم الحرمين الشريفين:

وإن مجلس الشورى , الذي عقد في عامه المنصرم (83) اجتماعاً يشعر بالاعتزاز , وهو يسهم بوظائفه التنظيمية والرقابية , جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة الأخرى , فقد قام في سنته الثالثة المنتهية من دورته الحالية , بمراجعة أداء (40) جهازاً حكومياً , وبدراسة ( 20 ) نظاماً منها مشروع نظام الاستثمار التعديني الذي يهدف إلى تيسير الإجراءات الإدارية في هذا المجال الاستثماري وزيادة مساهمة النشاط التعديني في التنمية الاقتصادية . ومشروع نظام مكافحة غسل الأموال وإن كانت ظاهرة غسل الأموال لا تشكل - بحمد الله – ظاهرة في المملكة , ولكن جاء هذا المشروع تمشياً مع توقيع المملكة على اتفاقيات بشأن الجريمة المنظمة أو الاتفاقية الجديدة لمكافحة الفساد ومواكبة للدول التي أوجدت مثل هذا النظام, ومن تلك النظم أيضاً مشروع الإستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية ، ومن أهم أهداف هذا المشروع تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل الوطني , وتوفير فرص عمل جديدة تقدر بمئات الآلاف من الفرص , وكذلك مشروع نظام المراعي والغابات , وقواعد تبادل المنافع بين نظامي التقاعد المدني والعسكري , ونظام التأمينات الاجتماعية , كما قام المجلس بمناقشة ( 45 ) معاهدة واتفاقية ثنائية بين المملكة ودول أخرى , كاتفاقية التعاون في مجال موارد المياه بين حكومة المملكة وحكومة جمهورية الصين الشعبية , واتفاقية التعاون بين حكومة المملكة وروسيا الاتحادية في قطاع البترول والغاز .

كما وضع المجلس في العام المنقضي عدة دراسات معمقة, من بينها دراسة مستفيضة عن تنامي حالات العنف وأسبابها, واستراتيجية لمعالجة سوء استخدام المال العام ومكافحة حالات الفساد الإداري. كما رفع إلى مقامكم الكريم رؤيته في التقويم الشامل للتعليم.

وإن مجلس الشورى, ما كان له أن ينجز ما أنجز , لولا توفيق الله وسداده أولاً, ثم ثقتكم به ومؤازرتكم له , واسمحوا لي , حفظكم الله , أن أشكر بهذه المناسبة , كل زملائي , معالي نائب رئيس المجلس , وأعضائه , ومعالي أمينه العام ومنسوبيه كافه , على جهودهم وتعاونهم وإنجازاتهم .

وأسأل الله أن يديم على بلادنا عزها وازدهارها ,

وأن يحفظكم , ويمن عليكم بالصحة والعافية , إنه سميع مجيب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...,,,