مجلس الشورى عام 1364هـ

"بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة المكرم نائب رئيس مجلس الشورى

بالإشارة إلى خطابكم بكم رقم 47 وتاريخ 28/12/1363هـ، المشفوع بالتقرير السنوي لمجلس الشورى، الذي تقدم المجلس برفعه بمناسبة انتهاء دورته القانونية.

نخبركم أننا قد عرضنا لجلالة الملك المعظم عما رفعتموه، وصدر أمر جلالته الكريم برقياً برقم 14331 وتاريخ 30/12/1363هـ، باعتماد وتمديد دورة المجلس لكامل عام 1364هـ، وإننا إذ نبلغكم ذلك، يسرنا أن نهنئ المجلس بالثقة العالية الملوكية، كما أننا في نفس الوقت نقدر للمجلس جهوده ونرجو له التوفيق".

بعد ذلك تقدم عضو مجلس الشورى الشيخ أحمد الغزاوي وألقى باسم المجلس الخطاب الآتي، وهذا نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم

يا صاحب السمو:

حسب المجلس في دورته الجديدة غبطة وابتهاجاً، وحسبه فخراً وازدهاءاً، أن لا يزال يحظى بالثقة الملكية الغالية التي توقد في صدور أعضائه جذوة النشاط وتبعثهم على مواصلة الجهد والدأب فيما يمارسونه من أعمال ويقومون به من واجبات.

إن علينا قبل كل شيء أن نقوم بالشكر لله سبحانه وتعالى على مننه العظمى ونعمه الكبرى التي تتقلب فيها البلاد العربية السعودية من البحر الأحمر إلى الخليج، ومن مشارف الشام إلى حدود اليمن في ظل الأمن والسكينة، وفي بحبوحة الرغد والطمأنينة ؛ وما ذلك إلا بفضل الله جل وعلا ثم بما يبذله حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المفدى أمد الله في حياته، وحكومة جلالته تحت رئاسة سموكم من سهر متواصل وسعي حثيث وسخاء عميم.

مقارنة بسيطة بين ما كانت عليه وما صارت إليه هذه الأمة وهذه البلاد خلال عشرين عاماً تقيم البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على البون الشاسع والفرق العظيم، والتقدم الفائق في جميع الشئون والمصالح والمرافق. أجل كان ذلك والظروف العامة غير مواتية من جميع الوجوه بما تخلل تلك المدة من أحداث لا يتسع معها مجال النهوض على أكمل صورة خصوصاً وقد تصرمت منها أعوام خمس كانت تئن فيها ولا تزال أمم المسكونة من أثقال الحرب وأوزارها. وإذا جاز لنا أن ننوه ببعض ما يذكر فيشكر من عناية حكومة جلالة الملك إبان هذه الفترة القصيرة؛ فإن من الحق علينا، وعلى الشعب بأسره أن يقدر في سرور وإكبار هذه الحركة المباركة التي هي في اليقظة والنهوض في جميع الأدوار التي تجتازها الأمم في ريعان تكوينها حركة التعليم ومحاربة الأمية، ونشر الثقافة العامة بحقولها المختلفة. والشواهد على ذلك لا تحصى وأسطع دليل عليها هذه البعثات التي أحسن اختيارها وتوجيهها إلى أمس ما تشعر البلاد بالحاجة إليه من فنون الحياة الحديثة. ولقد بلغت ولله الحمد في عدد أعضائها قدراً يجدر بنا أن نستشعر الغبطة والفخر معاً، وليس ذلك ما يحملنا على الإشادة به من حيث هو مشروع حيوي فقط. بل لا بد من تقديرنا ما يستلزمه من نفقات مضاعفة لا تكون في الواقع شيئاً مذكوراً إذا ما قيست بالنتائج المتوخاة من وراء هذه البعثات إذا ما عادت إلى أرض الوطن لتؤدي ما له في أعناقها من حقوق، وما عليها من مسؤوليات في ظل صاحب العرش المفدى.

وهناك ظاهرة جديدة – كان يبدو أنها من قبيل الأحلام قبل عهد قصير ذلك أننا نجد الطلبة من أقاصي البلاد ومن وراء الصحراء يتهافتون على الاندماج في مدارس المدن طلباً للتوسع في العلم والمشاركة في ثمراته، لم يمنعهم من ذلك طول المسافات ولا ألم الفراق وما كان ذلك يتسنى لهم لو لا ما تحيطهم به حكومة جلالة الملك من صنوف الرعاية والتشجيع يضاف إلى ذلك كل هذه المدارس الكثيرة التي تتولى الحكومة إنشاءها في شتى أنحاء البلاد وفي صميم القرى وقلب البادية، الأمر الذي سوف يؤتي أكله بإذن الله أشهى ما يكون إلى القلوب، وأحرى ما تقوم به أخلاق وتحقق الآمال إن شاء الله.

يا سمو الأمير – للمجلس كل العذر أن يفيض من هذه الناحية، وأن ينظر إليها بعين التطلع والارتياح، لأنها الطريق المعبد، والمعيار الصحيح الذي يوزن به المستقبل الباسم. وهي وحدها التي تأخذ بأيدي الأجيال المقبلة إن شاء الله إلى مجابهة الحقائق وتحمل المسؤوليات الخطيرة وممارستها والتغلب على كل المصاعب التي لا يمكن اخضاعها إلا بالوسائل والأسباب التي عرفت حتى الآن، والتي ترتكز أولا وبالذات على الأخلاق والفنون والعلوم.

يا سمو الأمير المعظم:

إن الصراحة التي تعودناها من قبلكم والإيمان الذي هو دائماً مصدر إلهامكم وتوفيقكم بعون الله في جميع ما تعرفونه من أمور الحكومة والشعب يحملاننا الآن على أن نقفو أثر سموكم فنعلن في ثقة ورجاء – على الرغم من كل ما يبذل في سبيل التعليم من جهد ومال ولا يزال الأفق أمامنا متسعاً – لمضاعفة هذا الجهد لاسيما في الناحيتين المهمتين اللتين نشعر ببعض الفراغ منهما وهما:

أولاً: توفير أكبر عدد ممكن من المعلمين لسد حاجة المدارس القائمة والتي لا بد من قيامها بمرور الزمن، وإعداد طائفة مختصة في الوعظ والإرشاد، وتدريس الآداب الشرعية في حلقات المساجد العامة.

ثانياً: توفير أكبر عدد من رجال القضاء لسد حاجة المحاكم القائمة، والتي لا بد من قيامها باتساع رقعة البلاد.

ويعتقد المجلس أن كلا هذين الموضوعين يشغل حيزاً كبيراً من اهتمام سموكم وأنهما ربما كانا من مشروعات عامنا الجديد إن شاء الله تعالى.

أما نواحي الإصلاح الأخرى التي بدأت تباشيرها في العام الماضي، فهي مدينة أولاً وبلا استثناء لسهر جلالة الملك المعظم وحرصه على سعادة شعبة ورفاهيته، ولما تديرون سموكم دفة الحكومة من حزم وعزم وتوجيه ومداركة وتعقيب.

ويرى المجلس حقاً عليه أن يشكر ويقدر كلما قام ويقوم به نجلكم حضرة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل – خلال غياب سموكم في نجد – وحتى الآن من أعمال مقترنة بالأناة والروية ولا غرو فهو سر أبيه.

إن للمجلس والحكومة أملا كبيراً في أن يقوم الوزراء والوكلاء والمديرون العموميون، والحكام الإداريون في المقاطعات، والملحقات والمجالس الإدارية وأمانة العاصمة والبلديات بأقصى ما يمكن عمله وتسمح به الظروف في مختلف الشؤون الإدارية، والصحية من إصلاح وتنظيم وإنشاء وتعمير بما يتفق ويتسق مع التطور العمراني الحديث ولا ريب أنهم سيعنون جميعاً بذلك العناية المرجوة، كل في حدود اختصاصه مستهدفين تحقيق وتقديم ما هو الأهم على المهم والله من وراء القصد.

يا سمو الأمير المحبوب:

لقد عالج المجلس فيما عالج خلال دورته الماضية مناقشة مشروعات الأنظمة المتعلقة بالجيش، وما يتصل به من مهام وواجبات خطيرة، وهي من الأهمية بالدرجة التي جعلته يستنفذ في إقرارها وقتاً ليس بالقصير، وأنه من حسن الطالع أنها لم تكد تنتهي وتعرض على مقام سموكم العالي حتى كانت المفاجأة السارة التي رحبت بها دوائر الجيش والأمة والبلاد بتوجيه منصب وزارة الدفاع إلى سمو أخيكم (المنصور) فكان ذلك فألاً حسناً وفاتحة ميمونة اقترن بها عمل المجلس في ختام دورته الماضية، ولا ريب أن الجيش سينهض بذلك إن شاء الله تعالى نهضة مشهودة تجعله جدياً بما يناط به من شرف الدفاع، ومهمة الذود عن حياض الوطن.

ومن محاسن الأفعال أن يكون أول عمل المجلس في دورته الجديدة معالجة أنظمة أخرى هي في نفس الدرجة من الأهمية بالنسبة لطوائف الموظفين الذين سوف يكون لهم في النظام الجديد منهج واضح مفصل يسر له المحسن ويبتئس منه المسيء، وستكون قواعده مبينة على أساس مكافأة الأول ومعاقبة الآخر، وتامين مصلحة كل من الوظائف، والموظفين على حد سواء. كما تشمل على نصوص صريحة عادلة لتكون نواة صالحة للتقاعد مما هو في مصلحة كافة طبقات المأمورين. وسيكون ذلك على الأثر إن شاء الله تعالى مناقشة المجلس للأنظمة الخاصة بطوائف المطوفين، وإدخال ما تقتضيه المصلحة العامة من تعديلات تستدعيها الحكمة والمصلحة والتجربة والاختبار.

هذا ولا يسعنا يا سمو الأمير المفدى ونحن نكتهل بهذه الواجبات، ونستقبل الدورة الجديدة، ونتقلد هذه المنة الكبرى من لدن جلالة مولانا الملك المفدى، إلا أن نؤكد لسموكم – بالنيابة عن جلالته – إننا عاقدوا العزم بحول الله وقوته على أن نجعل شكرنا لله ثم لجلالته على ثقته الغالية شكراً عملياً، يتمثل في قيامنا بالواجب، وتقديرنا للمسؤولية، وحرصنا على ما تحرصون عليه من رفعة شأن هذه الأمة ويسرها ونهوضها وتقدمها؛ فنقول ذلك موقنين بأن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لنا من أسباب السعادة وخولنا من صنوف الخير ما يفترق ويجتمع في شخص جلالته المعظم. وإننا لنتضرع إلى الله جل شأنه ويضرع معنا كل أفراد وطبقات الشعب العربي في مختلف بقاعه وأقطاره؛ أن يمد جلالته بالعون والعناية، وأن يكلأه بالحفظ والرعاية، وأن يجعله مظهراً لدينة وإعلاءاً لكلمته ورحمة لعباده إنه سميع مجيب.

وختاماً نواصل دعاءنا بطول بقاء سمو ولي العهد المعظم، وسمو نائب جلالة الملك الفدى، وسمو الأمراء الميامين، وأن يهبكم جميعاً من القوة والجلد والصحة، ومن التوفيق والظفر والنصر ما يتحقق به آمال العرب والمسلمين وما ذلك على الله بعزيز".

ثم تفضل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز أيده الله تعالى وألقى الكلمة التالية:

"بسم الله الرحمن الرحيم

أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، ولا شك أن الجميع كلهم يقدرون الواجبات، وإني أرجوكم المعذرة في عدم الإفاضة خطابياً لأني لن أتمكن من المحافظة على الوقت المقرر لطارئ بسيط، ولولا مساعدة الله ثم مساعدة الدكتور بشير لما استطعت الحضور، وإني ما أحب الإخلال في هذا الأولى في بابه، ولكني في الحقيقة لا أزال عاجزاً عن إبداء ما في نفسي إنما المهم في الموضوع أننا كلنا بحول الله وقوته نقدر ما هو ملقى على عواتقنا من عظيم المسؤوليات، وأن نحرص كل الحرص على أداء هذه الواجبات بما يتفق مع كبر المسؤولية، وما توحي به الضمائر الشريفة – وإن كان هناك بعض تقصير، أو شيء من التأخير في بعض النواحي، فهذا ناشئ عن الظروف التي تحيط بأحوال العالم، وبالأخص أحوال هذه البلاد لأنها تتأثر بتأثر غيرها وهذا بحول الله زائل. العالم اليوم مقبل على عهد من الطمأنينة والسلام يكون فيه حفظ الأمن والسلام للعالم أجمع.

إننا وإن كنا نحرص على بلادنا وبلاد المسلمين والعرب بصفة خاصة لأنهم أولى بالشفعة ؛ فإننا نحرص أيضاً على بلاد العالم أجمع. من جهة بلادنا فلاشك أنكم تقدرون الظروف الحاضرة، وأنها أصبحت عائقاً لكل إصلاح وتقدم، وليس هذا وحده في بلادنا بل في بلاد العالم أجمع.

لقد تكلم الأخ في خطابه عن مسألة المدارس والبعثات وتقدمها، وإني وأن كنت أشاطركم بأن هناك شيئاً من التقدم، أو أداء بعض الواجب؛ إلا أنه ليس المطلوب – فإننا نطمع في أكثر من ذلك ونؤمل الكثير منه فإذا حصل تكاتف وتآزر وإخلاص في العمل من جميع الجهات المسؤولة عن النواحي العلمية فستكون الثمار أطيب وأحسن إن شاء الله تعالى.

أما من جهة الناحيتين اللتين أشار اليهما الخطيب – ناحية المعلمين والقضاة، فإني أوكد لكم أنهما مازالتا من زمن بعيد تشغلان فكر جلالة الملك المعظم وحكومته بالتبعة – وإن وقع تأخير في الماضي فالأمل معقود وبحول الله على بعض الإجراءات التي تتخذ في المستقبل لسد الفراغ ، وإنما الأمر يتطلب شيئاً من الحكمة والجهد والروية.

إن أخذ الأشياء من غير تدقيق وروية يؤدي إلى عكس المطلوب، ونحن في عصر يوجب التدقيق، والتروي. إن حكومة جلالة الملك تأمل أن تؤدي نحو إصلاحات كثيرة.

1- اقتصادية.          2- عمرانية.          3- إصلاح المرافق الموجودة.

والعزم معقود على الأخذ بالأهم فالمهم ومن سار على الدرب وصل.

أرجوكم أن تعذروني في عدم الإطالة في الكلام فقد أشار الدكتور بذلك، وهو الآن أمامكم يشير بالإختصار وأرى الوقوف عند هذا الحد.

والآن باسم الله ثم نيابة عن صاحب الجلالة الملك المعظم أفتتح الدورة الخامسة عشر لمجلس الشورى، وأسأل الله أن يجعل فيها الخير والبركة للبلاد والأمة، وان يمن علينا بالقيام بما يجب علينا، وأرجو أن تكون من أهم الدورات وأصلحها، وأهنئكم جميعاً على الثقة الغالية ثقة جلالة الملك المعظم".